بودكاست

قصة قصيرة العصافير هي الأخرى تعرف الوجع

قصة قصيرة/ العصافير هي الأخرى تعرف الوجع

العصافير هي الأخرى تعرف الوجع "  لم يكن أبو جابر رجلاً عادياً بالنسبة لأقرانه وأهل قريته، بل كان يتمتع بنشاط واضح رغم شيخوخته ومجاراته للستين من عمره بعكس أقرانه باقي العجائز الذين تلقفتهم السنون بوجع مزمن أو عارض وسعال لا يكاد يهدأ إلا في نوبات النوم،

 وقد زرع الله محبة أبي جابر في قلوب الناس لطيب معشره وبساطته وعفويته، وقد كان كبقية الآخرين من بني جلدته يعيش في قرية صغيرة ينساب منها رابط نوراني يلتفُّ حوله أهل تلك القرية برابط المحبة والألفة والأخوّة وبعلاقات متجانسة أشبه بالعلاقات العائلية التي تُضفي على الحياة نموذج التآلف والتآزر،

 ورغم صغر هذه القرية وبساطة رقعتها إلا أنها عاشت تنهل من ينابيع السعادة والرضا من خلال طبيعة أفرادها التي ندر مثيلها أو كاد...

 الساحة الترابية وسط تلك القرية كانت متنفساً لأهل القرية يلتقي فيها كبارها ، ويلعب عليها أطفالها،

وأيضا كان مكاناً تجارياً لبعض الدكاكين التي تناثرت بها ، يرتادها الزبائن لاقتناص حوائجهم ومصدر رزق عفيف لباعتها.  كانت هذه الساحة بمثابة القلب النابض لتلك القرية وكان أبو جابر يقضي جلَّ وقته فيها مجالساً الكبار من أبناء سنِّه وممازحاً الصغار ممن تعطَّر كفُّه برؤوسهم!

 وفي أحد الأيام شعر أبو جابر على غير عادته بالتعب الإرهاق، فعاد الى منزله بعد امتداد الظل  ليريح جسده من تهافت الإعياء، استلقى على فراشه، ثم تاه في نوبة كرى عميقة،

 لكنه لم يهنئ بنومه من وابل الكوابيس المزعجة التي أحاطت به، وقد كان يرى في كوابيسه أنَّ  وحوشاً تهاجم القرية  وتمتطي آليات غريبة  تقذف بها القرية وتدمرها، وتدخل البيوت فتسلبها، وتقتل الأطفال الأبرياء والرجال والنساء، وتصب حممها على الساحة ومرتاديها وتمزق وجه الحياة في ذاك المكان وتنشر الوجع والخوف والتنكيل بالقرية وأهلها، 

كان عويل النساء والأطفال يُبكي القلوب، ويستصرخ الصخر، ويجعل الصمت مدوياً بالوجع والأنين ومن إجرام تلك الوحوش غريبة الشكل والمقصد، وما هي إلا لحظات زمن عابرة حتى دُمِّرت القرية بأكملها 

فانتفض أبو جابر بشدة ولهفة وفزع، فنطق حامداً ربه وشاكرا إياه؛ لأن تلك المشاهد كانت عبارة عن كابوس بثَّ الرعب في نفسه،

 لكن أبا جابر استغرب أمرا لم يعتد عليه طيلة حياته، وهو اختفاء صوت العصافير التي كان ينعشها الصباح كل يوم فقام من مكانه؛ ليستطلع الأمر وكل ظنه أنها ربما وجدت وجبة ما شغلتها عن ارتياد نافذته كعادتها كل صباح، وعندما فتح باب بيته هاله مشهد يدمي القلب والروح، فقد ارتدَّ كابوسه إلى حقيقة مفزعة حين وجد الدخان يتصاعد من القرية والبيوت مدمرة والساحة الترابية ترثي أهلها وهي مغطاة بالدماء وجثث أهل القرية.    

        تمت..... 

للكاتب: يوسف الفاران